تابع جبل الشيخ - حارث الجولان - 2
خريطة الحدود وخطوط الهدننة التاريخية والحالية في هضبة الجولان منذ 1342هـ
وفي اتفاقية الهدنة - أي اتفاقية فض الاشتباك - التي وقع الجانبان عليها بوساطة أمريكية تقرر انسحاب القوات الإسرائيلية من عمق الأراضي السورية إلى مواقعها قبل عام 1393هـ( ) باستثناء مدينة القنيطرة وبعض القرى المجاورة لها » رويحينة ، وبئر عجم ، والمدارية ، وبريقة ، وكودنة« التي تقرر إعادتها لسورية مقابل التزام سوري بإبعاد قوات الجيش السوري وراء شريط يخضع لمراقبة قوات هيئة الأمم المتحدة . وتضم الاتفاقية بندًا يدعو إلى إعادة المدنيين السوريين إلى المناطق التي انسحبت إسرائيل منها ، وينص ملحق أضيف إلى الاتفاقية على إرسال قوة خاصة للأمم المتحدة (UNDOF) لمراقبة الهدنة وتطبيق الجانبين للاتفاقية ، وما تزال هذه القوة متواجدة في المنطقة منذ ذلك الوقت وحتى الآن ، ويقوم مجلس الأمن بتمديد مهمتها مرة كل ستة أشهر . وكان عدد قرى الجولان قبل الاحتلال 164 قرية و146 مزرعة . أما عدد القرى التي وقعت تحت الاحتلال فبلغ 137 قرية و112 مزرعة إضافة إلى القنيطرة . وبلغ عدد القرى التي بقيت بسكانها 6 قرى : مجدل شمس ومسعدة وبقعاتا وعين قنية والغجر وسحيتا - رحّل سكان سحيتا في ما بعد إلى قرية مسعدة لتبقى 5 قرى - ودمر الاحتلال الإسرائيلي 131 قرية و112 مزرعة ومدينتين . وكان عدد سكان الجولان قبل حرب عام 1387هـ( ) نحو 154 ألف نسمة ، عاش 138 ألفاً منهم في المناطق الواقعة حالياً تحت الاحتلال ، هُجِّر أكثر من 131 ألف نسمة ، ودمرت قراهم ويبلغ عددهم حالياً قرابة 800 ألف نسمة ، ويعيشون في دمشق وضواحيها ، وبقي 8 آلاف مواطن في القرى الخمسة الباقية ، ويبلغ عددهم حالياً20000 نسمة . ويبلغ عدد سكان الجولان المحتل في الجزء الواقع غربي خط الهدنة1394هـ( ) يقدر بـ40 ألف نسمة ، منهم أكثر من عشرين ألف عربي - ينقسمون من ناحية دينية إلى حوالي 18،5 ألف درزي وحوالي 2500 من العلويين - وفيها حوالي 17،5 ألف مستوطن إسرائيلي يهودي . أما النازحون عن الجولان وهم سكان الجولان السوريون المهجرون قسرياً تحت ضغط آلات الحرب والتدمير الإسرائيلية في عام 1387هـ( ) ، ويعيشون في دمشق وريفها ودرعا وضواحيهما . وبرغم مضي أكثر من 45 عاماً على اغتصاب الجولان ، إلا أنها ما زالت حلم أولئك الذين ولدوا وكبروا في التجمعات السكنية المكتظة التي تحوي عائلات جولانية من أصول مختلفة بيئياً واجتماعياً - مدنية ، وفلاحية ، وبدوية - ومتعددة قوميًّا » عرب ، تركمان ، شركس« . وأما المستوطنون الإسرائيليون في الجولان فقد أقاموا في المستوطنات ، وهناك حاليًا أكثر من 30 مستوطنة يهودية في الجولان ، أكبرها كتسرين التي أقيمت سنة 1397هـ( ). أقيمت كتسرين قرب قرية قسرين المهجورة وسميت - مثل القرية - نسبة لبلد قديم تم اكتشافه في حفريات أثرية . وتعتبر كتسرين مركزًا إداريًا وتجاريًا للمنطقة ، وتسكن فيها حاليًا 6500 نسمة ، ثلث منهم من اليهود المهاجرين من روسيا الذين توطنوا في إسرائيل في التسعينات . وعلى كتف جبل الشيخ أقيم موقع سياحي للتزلج في موسم الشتاء . كذلك أقيم في كتسرين متحف لعرض المعثورات الأثرية التي تم اكتشافها في الجولان( ). ويعتبر الْجَوْلَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى دِمَشْقَ مِثْلُ الْهَدْأَةِ » الهدا« بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّائِفِ . وَقَدْ احْتَلَّ الْيَهُودُ ثلثي مساحة الْجَوْلَانَ سَنَةَ 1387هـ( ) ، وَلَا زَالُوا مُصِرِّينَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَا . وَفِي يَوْمِ 18 صَفَرٍ سَنَةَ 1402 هـ( ) ، أَعْلَنَتْ دَوْلَةُ الصَّهَايِنَةِ الْمُعْتَدِيَةُ ضَمَّ هَضْبَةِ الْجَوْلَانِ وَسَهْلَ الْحُولَةِ إلَى دَوْلَتِهِمْ نِهَائِيًّا ، وَجَعَلُوا حُدُودَ الْمَضْمُومِ غَرْبَ مَدِينَةِ » الْقُنَيْطِرَةِ « قَاعِدَةُ الْجَوْلَانِ . وَاسْتَنْكَرَ الْعَالَمُ مِثْلَ هَذَا ، وَلَكِنَّ الْعَالَمَ عَوَّدَنَا ضَعْفَ الذَّاكِرَةِ وَنِسْيَانَ الْأَحْدَاثِ ، وَإِسْرَائِيلُ الْبَاغِيَةُ تَعْتَمِدُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ النِّقَاطِ فِي الْعَالَمِ . وَرَحِمَ اللَّهُ زُهَيْرًا حَيْثُ قَالَ :
وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلَاحِه ... يُهَدَّمْ ، وَمَنْ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ يُظْلَمُ
إنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ لَنْ يُعِيدَ الْجَوْلَانَ وَلَنْ يُعِيدَ فِلَسْطِينَ ، وَإِنَّ إسْرَائِيلَ لَنْ تُعِيدَ شِبْرًا وَاحِدًا إكْرَامًا لِلْعَالَمِ كُلِّهِ ، وَلَنْ تَتَنَازَلَ عَنْهُ إلَّا تَحْتَ فُوَّهَةِ الْمَدْفَعِ( ). والسبب في ذلك أن يهود اليوم هم الخلف السيئ لمن سلف ، إذ أننا نجد هؤلاء الخلف ينطلقون من تراث السلف ، فوراء كل جريمة يرتكبونها نبوأة مزعومة تسوِّغها لهم . يقول هرتزل : إن هدف الحركة الصهيونية هو تنفيذ النص الوارد في الكتاب المقدس بإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين ، ويقول بن غوريون : قد لا تكون فلسطين لنا من طريق الحق السياسي أو القانوني ، ولكنها حق لنا على أساس ديني ، فهي الأرض التي وعدنا الله ، وأعطانا إياها من الفرات إلى النيل .ولعل أشد ما دونته نبوءاتهم المحرفة تحريضًا لليهود على التوسع العدواني الظالم هو: » كل مكان تطؤهُ أخامص أرجلكم لكم أعطيته« . فهم مرتبطون عقديًا بكل أرض سكنوا فيها ، من أرض الآباء والأجداد مثل كل فلسطين ، وسورية ، والعراق ، ومصر ، والحجاز . ولقد قال بن غوريون في تسويغ عدوان عام 1376هـ( ) : إنه يوطد أمن إسرائيل ، ويحميها من العدو ، ويحرر أرض الأجداد من الغاصبين . ولما اعترض أحد الوزراء على احتلال الجولان ، وعلَّل اعتراضه بعدم وجود روابط توراتية ، رد عليه إيجال آلون قائلًا : إن الجولان قطعة من إسرائيل القديمة لا تقل أهمية عن الخليل ونابلس . وهبَّ زعماء يهود يؤكدون أن استيلاءهم على الأراضي المحتلة ما هو إلا تحقيق لنبوءات العهد القديم . وقال مناحيم بيجن في عام 1388هـ( ): إن الأراضي العربية المحتلة هي أراضٍ إسرائيلية حررتها إسرائيل من الحكم الأجنبي غير الشرعي( ).
ووردت كلمة جولان في أدبيات الكتاب المقدس ، فمنها ما ذكر في مدن الملجأ : » حينئذ أفرز موسى ثلاث مدن في عبر الأردن نحو شروق الشمس . لكي يهرب إليها القاتل الذي يقتل صاحبه بغير علم ، وهو غير مبغض له ، منذ أمس وما قبله يهرب إلى إحدى تلك المدن فيحيا . باصر في البرية في أرض السهل للراوبينيين ، وراموت في جلعاد للجاديين ، وجولان في باشان للمنسيين «( ). وورد أيضًا : » فقدسوا قادش في الجليل في جبل نفتالي ، وشكيم في جبل أفرايم ، وقرية أربع هي حبرون في جبل يهوذا . وفي عبر أردن أريحا ، نحو الشروق جعلوا باصر في البرية في السهل من سبط راوبين ، وراموت في جلعاد من سبط جاد ، وجولان في باشان من سبط منسى . هذه هي مدن الملجأ لكل بني إسرائيل ، وللغريب النازل في وسطهم ، لكي يهرب إليها كل ضارب نفس سهوًا فلا يموت بيد ولي الدم حتى يقف أمام الجماعة «( ). وورد أيضًا : » ولبني جرشون من عشائر اللاويين مدينة ملجأ ، القاتل من نصف سبط منسى جولان في باشان ومسرحها ، وبعشترة ومسرحها مدينتان ثنتان «( ). وورد أيضًا : » لبني جرشوم من نصف سبط منسى جولان في باشان ومسارحها ، وعشتاروث و مسارحها« ( ).
والخلاصة أن تسمية جبل الشيخ باسم حارث الجولان يعود إلى الاحتمالات التالية :
1. إن حارث بمعنى زارع ، لأن الحارث يقوم بحراثة الأرض وفلاحتها وتهيئتها للزراعة ، ثم يقوم بزراعتها ، ويساعده على ذلك توفر المياه اللازمة التي يوفرها جبل الشيخ المكسو بالثلوج معظم شهور العام ، وذلك عن طريق الأمطار والينابيع ، وأيضًا عن طريق الندى الذي يتشكل في صباح كل يوم حتى في أيام الصيف ، لذا فإن الخضار المزروعة لا تحتاج إلى سقي وري كثير في الجولان كما في الأماكن الأخرى لأنها تعتمد بصورة رئيسة على الندى .
2. إن لفظة الحارث اسم من أسماء الأسد ، وكنيته أيضًا أبو الحارث ، ومن المحتمل أن تسمية حارث الجولان أخذت منه بسبب كثرة الأسود التي كانت تعيش فيه قديمًا حيث كان الجبل مكسوًا بالأشجار ، التي كانت تشكل أدغالاً صالحة لعيش الأسود والحيوانات المفترسة الأخرى ، وهذا ما دعا إلى تسميته بجبل الأسود كما مر معنا سابقًا .
3. إن لفظة الحارث اسم علم على الأشخاص تسمى به ستة من ملوك الغساسنة ، وقد يكون هذا من أرجح الأسباب لتسمية جبل الشيخ بحارث الجولان ، لأنه واقع ضمن المناطق التي يحكمونها ، لا سيما بعد اتخاذهم مدينة الجابية التي يشرف الجبل عليها عاصمة لهم .
4. إن كلمة الحارث اسم علم أطلق على عدد من الأماكن والمواضع في الجولان ، فهو تارة اسم قرية ، وتارة اسم قصر عاش فيه بعض ملوك الغساسنة ، وهو تارة اسم قُلَّةٍ من قُلَلِ الجولان ، قال الليث : قُلُّةُ الجبل : أعلاه . وقلة كل شيء : رأسه( ) ، ورأس الإنسان : قُلَّة ، وأنشد سيبويه :
عجائب تبدي الشيب في قلة الطفل ... والجمع قُلَل( ). وقال الفيروزآبادي : القُلَّةُ : أعْلَى الرأسِ والسَّنامِ والجَبَلِ أو كلِّ شيء( ). وقال ابن منظور : قُلَّة كل شيء : رأْسه ، والقُلَّة : أَعلى الجبل ، وقُلَّة كل شيء أَعلاه ، وخص بعضهم به أَعلى الرأْس والسنام والجبل ، وقِلالة الجبل كقُلَّته . قال ابن أَحمر :
ما أُمُّ غَفْرٍ في القِلالة ... لم يَمْسَسْ حَشاها قبله غَفْر
ورأْس الإِنسان قُلَّة ، وأَنشد سيبويه : عَجائب تُبْدِي الشَّيْبَ في قُلَّة الطِّفْل . والجمع قُلَل ، ومنه قول ذي الرمة يصف فِراخ النعامة ويشبه رؤوسها بالبنادق :
أَشْداقُها كصُدُوع النَّبْع في قُلَلٍ ... مثل الدَّحارِيج لم يَنْبُت لها زَغَبُ( )
قال أبو ذؤيب :
بأرى التي تأرى اليعاسيب أصبحت ... إلى قلة دون السماء ذؤابها( )
وأعلى جبال الجولان هو جبل الشيخ المسمى بحارث الجولان . وبالتالي هو أعلى مكان في المنطقة ، وأحق بالوصف به من أي مكان آخر فيه . ومن ألطف ما قرأت عن أسامي شجر ينابيع الماء بحسب اختلاف ارتفاعها ما ذكره الفيروزآبادي قائلاً : يَخْتَلِفُ الاسمُ بحَسَبِ كَرَمِ مَنَابِتِها فما كانَ : في قُلَّةِ الجَبَلِ فَنَبْعٌ ، وفي سَفْحِهِ شِرْيانٌ ، وفي الحَضِيض شَوْحَطٌ( ). وقال : النَّبْعُ : شجرٌ للقِسِيِّ وللسِهامِ يَنْبُتُ في قُلَّةِ الجبلِ ، والنابتُ منه في السَّفْحِ : الشِرْيانُ ، وفي الحَضيضِ : الشَّوْحَطُ( ).
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ